وتوترت العلاقة الحكومية اللبنانية بسبب موقف إيران المتصلب تجاه محاولة نزع سلاح حزب الله، الذي تكبد هزيمة قاسية في الحرب مع إسرائيل عام 2024، بحلول نهاية العام.
ورفض وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجّي، الدعوة الموجهة من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، لزيارة طهران في رد كتابي، يوم الأربعاء 10 ديسمبر (كانون الأول)، وقال دون الخوض في التفاصيل إن الظروف غير مناسبة، لكنه أشار إلى إمكانية إجراء المحادثات في "دولة ثالثة محايدة".
وأشار رجّي إلى ما سماه إصرار لبنان على سيادته واستقلاله، مؤكدًا حق الدولة في احتكار السلاح داخل أراضيها.
وردّ عراقجي بعد يوم على ذلك عبر شبكة "إكس"، في تصريحات عكست بوضوح امتعاض طهران، واصفًا قرار رجي بـ "المدهش" لرفضه استقبال رد إيران على حسن ضيافته.
وأضاف عراقجي: "وزراء خارجية الدول التي تربطها علاقات أخوية ودبلوماسية كاملة لا يحتاجون إلى مكان محايد للقاء"، مؤكدًا أنه سيقبل بكل سرور دعوة نظيره اللبناني لزيارة بيروت.
توتر العلاقات الرسمية بين إيران ولبنان
شهدت العلاقات الرسمية بين إيران ولبنان توترًا مستمرًا، بسبب حزب الله ومسألة نزع سلاحه. وقد فاقمت التصريحات المتناقضة من جانب إيران حدة الأزمة: ففي أغسطس (آب) الماضي، شدد عراقجي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكن بعد أربعة أيام، أعلن علي أكبر ولايتي، المستشار البارز للمرشد الإيراني، علي خامنئي، أن حزب الله "أهم من الماء والخبز" للبنانيين، مؤكّدًا دعم طهران له.
وتظل مسألة نزع سلاح حزب الله محور العلاقات الحالية بين طهران وبيروت. فقد أعلن رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، الأسبوع الماضي، أن الجيش يجب أن يفكك البنية التحتية العسكرية لحزب الله جنوب نهر الليطاني بحلول 2026.
وتتضمن الخطة، التي أقرّتها الحكومة اللبنانية، نزع سلاح جميع الميليشيات؛ حيث تعتبر بيروت نزع السلاح وسيلة لتخفيف الضغط الإسرائيلي وإعادة بناء الاقتصاد دون ظل الحرب الدائم، إلا أن حزب الله رفض ذلك.
وتجلّت التوترات أثناء زيارة رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى لبنان، في أغسطس (آب) الماضي، بعد فترة وجيزة من التهدئة مع إسرائيل.
وذكرت تقارير إعلامية لبنانية، سُحبت لاحقًا دون نفي رسمي، أن الرئيس السابق ورئيس الأركان اللبناني السابق، ميشال عون، انتقد لاريجاني بشدة لدعمه الطائفة الشيعية اللبنانية، ما دفع الأخير إلى المغادرة غاضبًا. وأضاف التقرير أن طلب اللقاء الثاني الذي قدّمه لاريجاني تم رفضه من قِبل الجانب اللبناني. ورفض وزير الخارجية اللبناني الاجتماع به حتى لو أتيح له الوقت.
إهانة عميقة
وجّه عراقجي دعوة إلى وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، إلى طهران مباشرة بعد أن عيّنت إسرائيل ولبنان مبعوثين لإجراء محادثات في وقت سابق من الشهر.
وتأخرت بيروت في الرد حتى انتهاء لقاءات المبعوثين الإسرائيلي واللبناني على الأراضي اللبنانية.
وتخشى طهران أن تُمهّد هذه الاجتماعات الطريق نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو حتى انضمام لبنان لـ "اتفاقيات أبراهام".
ووصفت خبيرة العلاقات الدولية، سارة كرمانيان، قرار لبنان بأنه "إهانة عميقة لإيران"، مؤكدة أن الحكومة اللبنانية ترى علاقتها مع إيران كسيف ذي حدين.
وتسعى بيروت لتجنب أي مفاوضات، قد تُهدد المساعدات المالية الغربية من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي مقابل الموافقة على نزع سلاح حزب الله، وفي الوقت ذاته تحتاج لموافقة إيران لتجنب انفجار الأزمة إلى حرب أهلية.
ومن هنا جاء اقتراحها لعقد المحادثات في دولة محايدة.
وقال المحلل السياسي، جابر رجبی، إن الرفض "قد يعكس شعور لبنان بخُطى انهيار النظام الإيراني، أو على الأقل نهاية عهد نفوذه الإقليمي".
الحساب الاستراتيجي في طهران
امتنعت معظم وسائل الإعلام الكبرى، بما فيها الرسمية، عن التحليل، ربما بناءً على توجيهات من المجلس الأعلى للأمن القومي لتقليل حدة الحادث.
ويبدو أن بعض وسائل الإعلام كانت مضللة، إذ استخدمت عناوين مثل: "وزير الخارجية اللبناني يقدّم اعتذارًا رسميًا لعراقجي"، أو ركّزت على تأكيد رجي على "بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع إيران".
لكن وكالات، مثل وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا)، ووكالة "شفق" الرسمية أعادت نشر ترجمة لمقال للصحافي الفلسطيني المخضرم، عبد الباري عطوان، ينتقد فيه رجي بشدة، قائلاً: "رد كهذا لا يمكن أن يصدر إلا من وزير خارجية دولة في حالة حرب مع أخرى. هل لبنان فعلاً في حرب مع إيران بحيث يجب الاجتماع في دولة محايدة؟".
وكانت صحيفة "شرق" الإصلاحية الإيرانية الوحيدة، التي نشرت تقريرًا تحليليًا بعنوان: "رسالة بيروت الحذرة إلى طهران"، دون التعليق مباشرة على رد رجي على وزير الخارجية الإيراني.
وأشار التقرير إلى أن تأكيد رجي على أن "احتكار السلاح يجب أن يبقى مع الدولة والجيش الوطني" يرسل رسالة إلى الفاعلين الإقليميين والغربيين بأن الحكومة اللبنانية الجديدة تسعى نحو سيادة أقوى للدولة ومسافة محسوبة من الجماعات المسلحة غير الحكومية.
وخلص التقرير إلى أن نهج رجي محاولة للحفاظ على هامش مناورة لبنان لإبقاء العلاقات مع إيران على مسافة بعيدة مع تفادي التوتر الصريح.