مجلس الشيوخ الأميركي يرفض تقييد صلاحيات ترامب العسكرية تجاه إيران

رفض مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الجمعة 27 يونيو (حزيران)، مشروع الديمقراطيين، الذي يُلزم الرئيس دونالد ترامب بالحصول على إذن من "الكونغرس" قبل القيام بأي عمل عسكري جديد ضد إيران.

رفض مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الجمعة 27 يونيو (حزيران)، مشروع الديمقراطيين، الذي يُلزم الرئيس دونالد ترامب بالحصول على إذن من "الكونغرس" قبل القيام بأي عمل عسكري جديد ضد إيران.
وجاء هذا التصويت بعد ساعات فقط من تهديد ترامب بإمكانية تنفيذ هجمات جديدة على المنشآت النووية في إيران.
وقد رُفض هذا القرار بـ 53 صوتًا مقابل 47 صوتًا بالموافقة، وجاء التصويت في الغالب على أسس حزبية، رغم أن السيناتور الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا، جون فيترمان، صوّت ضد المشروع إلى جانب الجمهوريين، في حين انضم السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي، راند بول، إلى الديمقراطيين، وصوّت لصالح تقييد صلاحيات ترامب العسكرية.
وقال وصاحب المقترح الرئيس لهذا المشروع، السيناتور الديمقراطي تيم كين، في كلمة قبل التصويت: "ينص الدستور الأميركي بشكل واضح على أن إعلان الحرب من صلاحيات الكونغرس فقط، وأي عمل عدائي ضد إيران يجب أن يُعتمد بتفويض محدد. إذا كنت تعتقد أن الرئيس يجب أن يلجأ إلى الكونغرس قبل بدء حرب مع إيران، فعليك دعم هذا المشروع".
وفي المقابل، عارض السيناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي والسفير الأميركي السابق في اليابان، بيل هاغرتي، هذا المسعى بشدة، وقال: "لا ينبغي لنا تقييد يد الرئيس في خضم أزمة. إذا لم يتمكن الرئيس من اتخاذ قرار في لحظة تهدد فيها الأرواح، فنحن نعرض أمن البلاد للخطر".
وجاء هذا التصويت بينما شن ترامب، يوم الجمعة 27 يونيو، هجومًا شديدًا على المرشد الإيراني، علي خامنئي، وتراجع عن قرار رفع العقوبات، وأعلن أنه إذا ارتفع مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران، فسيفكر في شن هجمات إضافية.
وخلال اليومين الماضيين، عقد كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركي جلسات سرية لأعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب. ووفقًا لمصادر، أكد العديد من الديمقراطيين بعد هذه الجلسات أنهم لم يقتنعوا بأن المنشآت النووية في إيران "دُمّرت بالكامل"؛ وهو الادعاء الذي أطلقه ترامب مباشرة بعد العملية.
وأكد معارضو القرار أن الهجوم الأخير على الأراضي الإيرانية كان عملية محدودة ولمرة واحدة، وتم في إطار الصلاحيات القانونية للرئيس.
خلفية المشروع والمعارضة له
كان السيناتور الديمقراطي، تيم كين، قد قدّم مشروعًا مشابهًا في الفترة الأولى من رئاسة ترامب عام 2020، وقد تم تمريره بدعم بعض الجمهوريين في كلا المجلسين، لكنه لم يحصل على الأصوات الكافية لتجاوز "الفيتو"، الذي استخدمه ترامب.
ومثل هذه المرة، كان المشروع بحاجة إلى موافقة مجلس النواب، إضافة إلى موافقة مجلس الشيوخ، ليصبح ساريًا. لكن رئيس مجلس النواب وحليف ترامب المقرب، مايك جونسون، صرح هذا الأسبوع بأن "الوقت غير مناسب لمثل هذا الإجراء".
وشدد ترامب، يوم أمس الجمعة، على رفضه أي شكوك بشأن حجم الأضرار التي لحقت ببرنامج إيران النووي، بينما تصر طهران على أن برنامجها لا يزال "سلميًا بالكامل".
ويُظهر هذا التصويت أن "الكونغرس"، في ظل احتمال تصاعد التوترات مع النظام الإيراني، لا يزال يواجه تحديات كبيرة في استعادة صلاحياته العسكرية.


كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في منشور على منصة "تروث" أنه أنقذ خامنئي من "موت بشع ومذل"، وأنه كان يعمل على احتمال رفع العقوبات عن إيران، لكنه أوقف كل جهوده على الفور بعد "البيان المليء بالغضب والكراهية والاشمئزاز" الذي أصدره المرشد الإيراني.
وحذّر ترامب في منشوره الذي نُشر الجمعة النظام الإيراني من ضرورة إعادة إيران إلى النظام العالمي "وإلا فإن الأمور ستسوء أكثر".
وكتب: "هم دائماً غاضبون، عدائيون، وغير راضين. انظروا إلى ما جلبه لهم هذا السلوك: دولة محترقة مدمرة بلا مستقبل، وجيش منهزم، واقتصاد منهار، والموت في كل مكان. ليس لديهم أمل، والأوضاع ستزداد سوءاً".
وأشار إلى تصريحات خامنئي التي سُجلت في مخبأ سري بعد وقف إطلاق النار، قائلاً إن جهوده لرفع العقوبات التي أضرت بإيران بشدة، والقضايا الأخرى المتعلقة بها، كان يمكن أن تمنح إيران فرصة أكبر للتعافي السريع والكامل، لكنها توقفت الآن.
وتساءل ترامب: "لماذا أعلن خامنئي بكل وقاحة وغباء أن إيران انتصرت على إسرائيل، بينما هو يعرف أن هذا كذب؟ كرجل متدين، لا ينبغي له أن يكذب. بلاده مدمرة، وثلاثة من منشآته النووية الخبيثة دُمرت".
وأضاف الرئيس الأميركي: "كنت أعرف تماماً أين كان مختبئاً، ولم أسمح لإسرائيل أو للقوات المسلحة الأميركية – التي بلا شك هي الأقوى في العالم – أن تقتله".
ثم سخر قائلاً: "أنقذته من موت بشع ومذل، أليس من المفترض أن يقول: شكراً لك، الرئيس ترامب؟".
تفتيش المنشآت النووية الإيرانية
قبل نشر هذا المنشور، طالب ترامب خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض بفتح المنشآت النووية الإيرانية أمام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال إن التفتيش يمكن أن يتم أيضاً عبر طرف موثوق من قبل الولايات المتحدة، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، رغم تأكيده أن هذه المواقع "دُمرت".
ونفى أي حديث عن أن الأضرار التي لحقت بهذه المواقع أقل مما زعم.
ومع ذلك، أعلن ترامب دعمه لتحرك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، لتفتيش المواقع التي تعرضت للقصف.
من جانبه، قال رافائيل غروسي، مدير الوكالة، الأربعاء، إن استئناف عمليات التفتيش أولوية قصوى، حيث لم يتم أي تفتيش منذ بدء الضربات الإسرائيلية على إيران.
لكن البرلمان الإيراني أقر الأربعاء مشروع قانون يعلق عمليات تفتيش الوكالة للمنشآت النووية.
كما أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الجمعة أن طهران قد ترفض طلب غروسي بزيارة المواقع النووية.
وكتب عراقجي على "إكس" أن الإصرار على تفتيش المنشآت المستهدفة "لا معنى له".
ورداً على رفض عراقجي، كتب غيدعون ساعر، وزير خارجية إسرائيل، على "إكس": "النظام يواصل تضليل المجتمع الدولي ويعمل بنشاط لمنع رقابة فعالة على برنامجه النووي".
وأكد ساعر أن على المجتمع الدولي الآن منع النظام "المتطرف" من الحصول على أخطر الأسلحة بكل الوسائل الممكنة.
كما قال ترامب إنه لا يعتقد أن إيران ستواصل السعي للحصول على سلاح نووي بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية على منشآتها.
وأكد: "منذ 25 عاماً وأنا أقول إنه لا يجب السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي. لقد أنفقت إيران أكثر من تريليون دولار على برنامجها النووي دون جدوى".
ورداً على سؤال عما إذا كان سيضرب إيران مرة أخرى إذا واصلت التخصيب بمستوى مقلق، أجاب: "بالتأكيد، دون تردد".
وتابع: "طيارونا رائعون. يطلقون الصواريخ من ارتفاع 52 ألف قدم على هدف بحجم ثلاجة ويصيبونه بدقة". مؤكداً أن الولايات المتحدة تمتلك أفضل القوات والمعدات العسكرية.
ترامب: إيران تريد مقابلتنا
وأضاف ترامب أن النظام الإيراني لا يزال يرغب في التفاوض حول الخطوات المقبلة.
لكن البيت الأبيض أكد الخميس أنه لم يتم التخطيط لأي اجتماع بين وفدي البلدين.
كما علق ترامب على تصريحات خامنئي الأخيرة بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل، حيث ادعى أن إيران "انتصرت" في الحرب.
وقلد ترامب تعابير وجه خامنئي، قائلاً: "عليك قول الحقيقة. لقد هُزمت هزيمة قاسية".
وأشار إلى أن كلاً من إيران وإسرائيل تعرضتا لضربات وتكبدتا خسائر.
وكان خامنئي قد قال في 26 يونيو (حزيران) في رسالته المصورة الثالثة منذ الهجوم الإسرائيلي: "بكل ضجيجهم وادعاءاتهم، إسرائيل كادت تنهار وتُسحق تحت ضربات النظام الإيراني".
وزعم أن "الأميركيين فشلوا في تحقيق أي شيء مهم في ضرب المنشآت النووية".
وكانت "إيران إنترناشيونال" قد أفادت سابقاً بأن خامنئي كان غير مطلع على التفاوض الذي أدى إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرًا مفصلاً حول العمليات العسكرية الأخيرة، التي شنتها إسرائيل على إيران، وأسفرت عن تدمير منشآتها النووية، ومقتل عدد من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، وكبار مسؤولي البرنامج النووي الإيراني، في منازلهم.
وكشفت الصحيفة الأميركية، في تقرير موسّع، عن تدريبات مكثفة خضع لها طيارون إسرائيليون على مدى سنوات، وتشكيل شبكات استخباراتية داخل إيران، تمهيدًا لتنفيذ عملية عسكرية معقدة متعددة المستويات ضد طهران، عُرفت باسمَي "الزفاف الدموي" و"نارنيا".
وذكرت أنه في فجر 13 يونيو (حزيران) اجتمع قادة الجيش الإسرائيلي في غرفة قيادة تحت الأرض تابعة لسلاح الجو، لمتابعة لحظة تاريخية: انطلاق الهجوم المسمّى "الزفاف الدموي".
وبعد ساعات، وعلى بُعد أكثر من ألف ميل، قُتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، في هجوم منسّق، ذكّر الإسرائيليين بمشهد شهير من المسلسل الشهير: "صراع العروش".
ولكن لم يكن ذلك الضربة الوحيدة في تلك العملية، التي استمرت 12 يومًا. فبالتزامن، نُفّذ هجوم طموح للغاية أطلق عليه ساخرًا داخل الجيش الإسرائيلي اسم "نارنيا"، تم فيه اغتيال 9 من كبار مسؤولي البرنامج النووي الإيراني، في منازلهم بطهران، بشكل شبه متزامن.
وصرّح سابقًا، أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين للقناة 12 الإسرائيلية، بأن هؤلاء الخبراء النوويين اعتقدوا أنهم في أمان داخل منازلهم، لأن الهجمات السابقة كانت تستهدفهم عادة في طريقهم إلى العمل أو أثناء تنقلهم.
عمليات معقّدة كادت تنهار قبل دقائق من تنفيذها
الهجمات تمّ التخطيط لها عبر طبقات متعدّدة من التضليل والخداع، وكانت على وشك الانهيار بالكامل قبل دقائق من التنفيذ.
ولكن بحسب "وول ستريت جورنال"، فإن النجاح المبكر للعملية رسّخ الوضع العسكري لإسرائيل في المنطقة، ووفقًا لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، مهّد الطريق لتحالفات جديدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إمكانية توقيع اتفاقات سلام جديدة ضمن إطار "اتفاقيات أبراهام".
هل حققت إسرائيل أهدافها؟
لا تزال التساؤلات قائمة بشأن ما إذا كانت إسرائيل، التي استفادت لاحقًا من الضربات الجوية الأميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية، قد حققت أهدافها العسكرية بالكامل.
وتشير التقديرات إلى أن الهجمات الأميركية- الإسرائيلية أخّرت البرنامج النووي الإيراني، لكنها لم تقضِ عليه نهائيًا.
وأعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن اندهاشهم من مدى النجاح، وقال رئيس هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي ومهندس العملية، الجنرال أوديد باسيوك: "حين بدأنا وضع الخطة، لم نكن نعلم إن كان تنفيذها ممكنًا أصلاً".
خطة عمرها 30 عامًا لضرب إيران
بُني التقرير على مقابلات مع 18 مسؤولاً أمنيًا سابقًا وحاليًا من إسرائيل والولايات المتحدة.
وتعود جذور العملية إلى منتصف تسعينيات القرن العشرين، عندما صنّف جهاز الموساد أنشطة إيران النووية كتهديد ناشئ.
ومع مرور الوقت، توسعت شبكات الاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران، ونفّذت عمليات تخريب، بما في ذلك انفجارات في مواقع تخصيب ومجموعة من الاغتيالات لعلماء نوويين، لكن قادة الأمن الإسرائيلي خلصوا إلى أن هذه العمليات ليست رادعة بما فيه الكفاية، ولا بد من هجوم واسع يدمر البنية التحتية والعقول التي تقف وراء البرنامج النووي.
وكانت المهمة شاقة للغاية، إذ تبعد الأهداف الرئيسة أكثر من 1600 كيلو متر عن إسرائيل، وكان على الطيارين التدرب على الطيران ضمن تشكيل مكون من 6 إلى 10 مقاتلات حول طائرة تزود بالوقود، وتنفيذ عمليات التزود بالوقود عدة مرات في الجو، وإسقاط القنابل على الأهداف بفاصل زمني من 15 إلى 20 ثانية فقط.
وفي عام 2008، خلال تمرين "سبارتان المجيد"، حلّقت أكثر من 100 طائرة "إف-15" و"إف-16" إسرائيلية إلى اليونان؛ لاختبار القدرة على الوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية.
ورغم اعتراض وزراء وقادة أمنيين إسرائيليين مرارًا، خشية اندلاع حرب شاملة أو تدهور العلاقات مع واشنطن، استمر الجيش في تحديث خططه، بما يشمل سيناريوهات لحرب متزامنة مع وكلاء إيران مثل حماس وحزب الله.
وبعد إضعاف حماس منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتقويض قوة حزب الله، وسقوط النظام الحليف لطهران في سوريا وصعود حكومة معادية لإيران في دمشق، أصبح المجال الجوي السوري آمنًا لعبور المقاتلات الإسرائيلية.
وفي هذا الوقت، توسّعت شبكات الموساد في الداخل الإيراني إلى درجة أنها باتت قادرة على تتبّع تحركات القادة العسكريين الإيرانيين، بل وتم إنشاء منصات لإطلاق طائرات مسيّرة داخل إيران نفسها.
وفي السنة السابقة، اختبرت إسرائيل قدراتها على الطيران البعيد من خلال ضرب الحوثيين في اليمن، وتمكّنت في غارتين من تدمير منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة (S-300) التي كانت بحوزة إيران.
وعززت هذه التجارب قناعة إسرائيل بقدرتها على مواجهة مباشرة مع إيران.
"نارنيا" و"الزفاف الدموي": اغتيالات متزامنة للقيادات والخبراء
خشيت إسرائيل أن يكون تخصيب اليورانيوم في إيران قد بلغ مستويات تجعلها على بعد أشهر قليلة من امتلاك قنبلة نووية.
ولذلك، صممت عملية "نارنيا" لاغتيال العلماء، الذين يمكنهم إعادة بناء المشروع حتى لو دُمرت المنشآت.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، عقد الجيش الإسرائيلي اجتماعًا ضم 120 ضابطًا من الاستخبارات وسلاح الجو، وتم خلاله إعداد قائمة تضم أكثر من 250 هدفًا، تشمل علماء، منشآت نووية، منصات صواريخ، وقادة عسكريين.
وكان من بين الأولويات أيضًا تحقيق تفوق جوي فوري، ولهذا تم تحليل آلاف المصادر لتحديد مواقع الدفاعات الجوية الإيرانية.
وقام "الموساد" بتهريب مئات الطائرات الانتحارية الصغيرة إلى داخل إيران عبر حقائب سفر وحاويات وشاحنات، حيث كانت فرق ميدانية جاهزة لتفعيلها وقت الهجوم.
وفي الوقت نفسه، أطلقت طائرات مُسيّرة بعيدة المدى من داخل إسرائيل، بعضها خضع لأول اختبار عملي قبل ساعات فقط من التنفيذ.
واتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القرار النهائي بالهجوم يوم 9 يونيو الجاري.
ولإرباك طهران، أعلن مكتبه أنه يأخذ إجازة لحضور زفاف ابنه يوم الاثنين 16 يونيو. حتى عائلة رئيس الوزراء لم تكن تعلم أنه تم تأجيل الحفل سرًا.
وبالتزامن، سرّبت إسرائيل أخبارًا كاذبة لوسائل الإعلام: خلاف بين نتنياهو وترامب، مكالمة رباعية مفترضة بينهما، وتأجيل اتخاذ القرار إلى ما بعد الجولة السادسة من المفاوضات النووية يوم الأحد (بعد تنفيذ العملية).
في يوم الهجوم نفسه كتب ترامب على منصة "تروث سوشيال": "ما زلنا ملتزمين بالحلّ الدبلوماسي لقضية إيران النووية".
وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن هذه الحملة من التضليل خدعت طهران، وجعلتها تعتقد أن إسرائيل لن تهاجم دون أميركا، مما حافظ على عنصر المفاجأة.
القادة وقعوا في الفخ.. والعملية انطلقت
كان استهداف القادة العسكريين الكبار بشكل متزامن، جزءًا أساسيًا من العملية، فيما أُطلق عليه اسم "الزفاف الدموي"، بهدف شل القيادة الإيرانية وقدرتها على الرد.
لكن، ومع اقتراب المقاتلات الإسرائيلية، وردت تقارير بأن قادة القوة الجوية الإيرانية بدأوا بالتحرّك.
وسادت مخاوف في غرفة العمليات من أن طهران اكتشفت العملية، لكن على غير المتوقع، اجتمع القادة جميعًا في موقع واحد، فكان ذلك نهايتهم؛ حيث أُطلقت الصواريخ نحوهم.
وفي غضون ثوانٍ، ضُربت منازل علماء البرنامج النووي، بينما استهدفت الطائرات المُسيّرة والصواريخ محطات الرادار والدفاع الجوي والصواريخ الإيرانية، وانتهت المرحلة الأولى من العملية خلال نحو أربع ساعات.
وأكدت المعلومات الاستخباراتية أن جميع الأهداف البشرية الرئيسة قد تم تصفيتها تقريبًا.
وفي الأيام التالية، قصفت إسرائيل مواقع إنتاج الصواريخ الباليستية والنووية، واستمرت في تعقّب العلماء والقادة المتبقين، حتى إعلان الهدنة يوم الثلاثاء 17 يونيو الجاري.
حملة ترهيب إسرائيلية داخل إيران
كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، خلال الحرب، عن حملة سرية تقودها إسرائيل تهدف إلى ترهيب قادة النظام الإيراني وزرع الانقسام بينهم.
وفي تسجيل صوتي مسرّب، وردت معلومات من ثلاثة مصادر مطلعة لم تُكشف هوياتهم، تُفيد بأن عملاء الاستخبارات الإسرائيلية اتصلوا هاتفيًا ببعض القادة الإيرانيين وتحدثوا معهم بالفارسية، وهددوهم قائلين إنهم لن ينجوا إلا إذا أعلنوا تبرؤهم من النظام الإيراني، والمرشد علي خامنئي، خلال مهلة قدرها 12 ساعة.

أكدت صحيفة "هآرتس" أن الضربات الجوية، التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية لم تكن ممكنة، لولا التحولات الإقليمية التي سببتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وعلى رأسها انحسار نفوذ موسكو في سوريا وسقوط نظام الأسد، مما أتاح للمقاتلات الإسرائيلية حرية أكبر في التحرك بين تل أبيب وطهران.
وذكرت الصحيفة أنه "فيما يشكر المسؤولون الإسرائيليون الولايات المتحدة ودونالد ترامب على دعمهم في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، يتجاهلون الدور الحاسم لأوكرانيا، التي ساهمت بصمودها أمام روسيا في إضعاف النفوذ العسكري لموسكو في الشرق الأوسط".
إسرائيل مدينة لأوكرانيا
أشادت إسرائيل مرارًا بدور الولايات المتحدة في قصف منشآت إيران النووية، وخصوصًا استهداف موقع "فوردو" النووي المحصّن باستخدام قنابل خارقة للتحصينات. لكن "هآرتس" ترى أن على تل أبيب أن تعترف بالفضل لأوكرانيا، التي وفّرت "الفرصة الاستراتيجية" لهذه الضربات، عبر إنهاك الجيش الروسي، وإجباره على الانسحاب من سوريا.
ومنح هذا الانسحاب إسرائيل لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات حرية التحرك الجوي فوق أجواء سوريا والعراق، وفتح لها ممرًا غير مسبوق للوصول إلى المجال الجوي الإيراني.
تحالف من طرف واحد بين طهران وموسكو
في المقابل، كانت إيران قد أرسلت آلاف الطائرات المُسيّرة الانتحارية لدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، لكنها عندما احتاجت دعمًا في لحظة مصيرية، لم تتلقَّ شيئًا من موسكو.
وأكد محللو "هآرتس" أن العلاقة بين طهران وموسكو هي علاقة "تحالف من طرف واحد"، حيث تستغل روسيا دعم إيران دون أن تقدم لها الحماية أو الغطاء عند الضرورة.
كما أشار التقرير إلى أن التجارب الأوكرانية في التصدي للطائرات المُسيّرة الإيرانية، نُقلت مباشرة إلى إسرائيل، وساهمت في تحديث وتعزيز قدرات منظوماتها الدفاعية.
سياسة باردة من تل أبيب تجاه كييف
رغم هذه الأدوار الحاسمة، امتنعت إسرائيل لسنوات عن تقديم أي دعم عسكري لأوكرانيا. بل إن تل أبيب صوتت ضد قرار في الأمم المتحدة يدين الهجوم الروسي، وذلك قبل أربعة أشهر فقط.
وختمت الصحيفة تحليلها بالقول: "إن إسرائيل مدينة لأوكرانيا ليس فقط أخلاقيًا، بل استراتيجيًا"، وتدعو الحكومة الإسرائيلية إلى إظهار "امتنان دبلوماسي حقيقي" لكييف وتعديل موقفها تجاهها.
سقوط نظام الأسد
يرى محللون عسكريون إسرائيليون أن سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024 كان نقطة تحول. النظام الذي نجا عدة مرات سابقًا بفضل الدعم الجوي الروسي، تُرك هذه المرة وحيدًا في مواجهة هجوم مباغت شنّته المعارضة المسلحة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وبسبب انشغال روسيا في أوكرانيا، لم يعد لدى "الكرملين" القدرة على دعم الأسد، ما أدى إلى انهيار نظامه، ومهّد الطريق لسلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ مئات الغارات خلال أسبوعين فقط داخل العمق الإيراني.

قال بيت هغسيتث وزير الدفاع الأميركي، إن التصريحات المتكررة من قِبل كبار مسؤولي النظام الإيراني بشأن استكمال برنامجهم النووي موجّهة للاستهلاك الداخلي، وتهدف إلى "حفظ ماء وجه" النظام أمام جمهوره.
وفي مؤتمر صحافي عُقد يوم الخميس 26 يونيو (حزيران)، تحدّث هغست عن تفاصيل الهجوم الأميركي الأخير على المنشآت النووية التابعة للنظام الإيراني، مشيدًا بمواقف الرئيس الأميركي، حيث قال: "ترامب وفّر الظروف لإنهاء الحرب، وتم تدمير المنشآت النووية للنظام الإيراني".
وشدّد هغسيث مرة أخرى على أن الهجوم الأميركي كان ناجحًا، مؤكدًا أن منشآت إيران النووية تم تدميرها فعليًا، ووصف تقارير قناتي "سي ان ان" و"نيويورك تايمز" بشأن فشل العملية بأنها "غير صحيحة".
وأضاف: "نشر هذه المعلومات المغلوطة والناقصة والمحرّفة يعود فقط إلى العداء لترامب. لا يريدون له تحقيق أي نجاح. إسرائيل أكّدت التدمير، والوكالة الدولية للطاقة الذرية أكّدت أن المواقع تعرّضت لأضرار جسيمة، ووزارة الخارجية الأميركية كذلك".
وفي ما يخص التصريحات الإيرانية الأخيرة حول استمرار البرنامج النووي، قال هغست: "العديد من هذه التصريحات موجّهة للاستهلاك المحلي فقط، تهدف لطمأنة داعمي النظام... مهمّتنا نحن أن نكون في حالة استعداد".
لا أدلة على نقل اليورانيوم من المواقع النووية الإيرانية
وتابع وزير الدفاع الأميركي قائلاً إنه لا توجد أية معلومات تؤكد أن النظام الإيراني قام بنقل مخزوناته من اليورانيوم عالي التخصيب قبل الهجمات الأميركية.
وفي معرض حديثه عن حجم الأضرار في منشأة فوردو النووية، قال: "أي شخص لديه عينان وعقل يمكنه أن يدرك حجم القوة والدقة والتأثير المدمّر لهذا الهجوم. إذا أردت أن تعرف ما حدث في فوردو، خذ معولًا واحفر الأرض؛ فكل شيء جرى تحت الأرض".
يُذكر أن بعض المحللين قد حذّروا في الأيام الأخيرة من إمكانية أن يكون النظام الإيراني نقل مخزوناته من اليورانيوم عالي التخصيب – القريب من المستوى التسليحي – إلى مواقع غير معروفة لأميركا أو إسرائيل أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك قبل الضربات.
واستند الخبراء في هذا إلى صور أقمار صناعية التقطتها شركة ماكسار، أظهرت أنشطة غير معتادة في منشأة فوردو بتاريخ 20 و21 يونيو (حزيران)، بما في ذلك طوابير من المركبات عند مداخل الموقع.
وقد أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" بتاريخ 26 يونيو (حزيران) أن دولًا أوروبية تعتقد أن القسم الأكبر من مخزون اليورانيوم الإيراني لم يُمس رغم الضربات الأميركية.
كما نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر رفيع في النظام الإيراني يوم 22 يونيو قوله إن جزءًا كبيرًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تم نقله قبل الضربات إلى موقع غير معروف.
وفي سياق دعم تصريحات وزير دفاعه، كتب الرئيس دونالد ترامب يوم 26 يونيو على منصة تروث سوشال: "لم يتم نقل أي شيء من المواقع النووية للنظام الإيراني".
وأضاف ترامب: "الشاحنات والمركبات التي شوهدت في الموقع كانت تخص عمال صبّ الخرسانة، الذين كانوا يحاولون تغطية مداخل الأنفاق".
وتابع: "لم يتم إخراج أي شيء من المنشآت. نقل هذه المواد كان سيستغرق وقتًا طويلًا، ويشكّل خطرًا كبيرًا، كما أنه صعب جدًا بسبب وزنها وتعقيداتها".
ضغوط ترامب
من جانبه، صرّح دن كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، خلال مؤتمر صحفي في البنتاغون، أن عملية "مطرقة منتصف الليل" ضد منشآت النظام الإيراني النووية كانت نتيجة 15 عامًا من الرصد والتخطيط العسكري الدقيق.
وأوضح: "السبب في استخدامنا لقاذفات "بي 2" هو معرفتنا المسبقة بفعالية قنابلها التي تزن 30 طنًا... كل القنابل عملت كما يجب، وكانت النتائج كما خُطط لها".
وأكّد كين أن الهجوم ركّز على مداخل الأنفاق في منشأة فوردو، والتي كانت إيران قد غطّتها بطبقات من الخرسانة قبيل الضربات.
وأضاف: "أُطلقت القنبلة الأولى لتدمير الغطاء الخرساني، ثم توالت القنابل من الثانية إلى الخامسة لاختراق أعمق داخل الموقع. وأُطلقت القنبلة السادسة كاحتياط في حال لم تنجح القنابل السابقة بالكامل".

ذكرت وكالة "أسوشييتد برس"، في تقرير لها، أن هجمات مجموعات القرصنة المرتبطة بالنظام الإيراني زادت بعد الضربات الأميركية على المنشآت النووية في إيران. فقد استُهدفت خلال الأيام الماضية بنوك ومتعهدون عسكريون وشركات نفط أميركية.
ونقلت الوكالة عن خبراء في أمن الإنترنت، أنه على الرغم من أن الهجمات المتزايدة للقراصنة المدعومين من إيران لم تُحدث اضطرابًا واسعًا في البينة التحتية الحيوية أو الاقتصاد الأميركي، إلا أن الأمور قد تتغير بسرعة في حال انهيار وقف إطلاق النار.
وقد صدر هذا التقرير يوم الأربعاء 25 يونيو (حزيران)، محذرًا من احتمال اندلاع حرب رقمية ضد أميركا من قبل مجموعات قرصنة مستقلة مؤيدة للنظام الإيراني.
وبحسب آرني بليني، رجل أعمال ومستثمر في مجال التكنولوجيا، فإن الضربات الأميركية قد تدفع كلاً من إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية إلى الاستثمار بشكل أكبر في الحروب السيبرانية.
وأشار إلى أن العمليات الإلكترونية أرخص بكثير من الحروب التقليدية التي تستخدم فيها الرصاص والطائرات العسكرية والأسلحة النووية، وأضاف: "ربما تكون أميركا متفوقة عسكريًا، لكنها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التكنولوجيا الرقمية، وهو ما يُعد نقطة ضعف خطيرة".
وقد أعلنت مجموعتان من القراصنة المؤيدين للفلسطينيين أنهما استهدفتا، بعد الغارات الجوية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، أكثر من اثنتي عشرة شركة طيران، وبنكا، وشركة نفط.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة "إنتليجنس غروب" التي تراقب أنشطة هذه المجموعات، فقد نشر القراصنة تفاصيل هجماتهم على "تلغرام"، ودعوا قراصنة آخرين إلى تنفيذ عمليات مشابهة.
وقد أعلنت إحدى هذه المجموعات، وتُدعى "ميستريس تيم"، يوم الإثنين 23 يونيو (حزيران)، عن "زيادة هجماتها".
في الوقت الحالي، أعلن مسؤولو الحكومة الفيدرالية الأميركية أنهم في حالة تأهب لمواجهة محاولات متزايدة من القراصنة لاختراق الشبكات الأميركية.
وقد دعت وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية الأميركية (CISA)، يوم الثلاثاء 24 يونيو جميع المؤسسات التي تدير بُنى تحتية حيوية مثل شبكات المياه وخطوط الأنابيب ومحطات الطاقة إلى توخي الحذر الكامل.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" أن جميع مجموعات القرصنة المشاركة في هذه الهجمات لا تتعاون مع الأجهزة العسكرية أو الاستخباراتية للنظام الإيراني، إذ إن بعضهم يعمل بشكل مستقل تمامًا.
وقد حددت شركة "تراست ويو" للأمن الإلكتروني حتى الآن أكثر من 60 مجموعة قرصنة تدعم إيران.
احتمال تغيير أولويات مجموعات القراصنة التابعة للنظام الإيراني
وسعت إيران وحلفاؤها، خاصة روسيا، خلال السنوات الأخيرة إلى التأثير على السياسة الداخلية الأميركية والإضرار بإسرائيل من خلال هجمات إلكترونية.
فبعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، تمكنت إحدى هذه المجموعات من التسلل إلى أحد تطبيقات الإنذار الطارئ في إسرائيل، وأرسلت من خلاله رسائل إنذار كاذبة بالهجوم.
وفي الفترة من عام 2011 إلى 2013، نُفّذت سلسلة من الهجمات تحت اسم "عملية أبابيل" استهدفت مواقع أكثر من 40 بنكًا أميركيًا، من بينها بنك أميركا، وتشيس، وويلز فارجو، و"JPMorgan"، مما تسبب في تعطيل مؤقت للخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
وقد نفّذ هذه العملية فريق يُدعى "محاربو عز الدين القسام"، وقدّر المحللون أن هذه الحملة كانت مرتبطة بالنظام الإيراني.
واستهدفت مجموعات مثل "تشامينغ كيتن"، و"فوسفورِس"، و"APT33"، والتي يُقال إنها على صلة بالأجهزة الأمنية الإيرانية، مرارًا البنية التحتية الحيوية لأميركا.
وفي بعض الحالات، كانت هذه الهجمات بهدف التجسس الإلكتروني وسرقة معلومات مصنفة، وفي حالات أخرى كانت تهدف إلى تعطيل المؤسسات أو بث الرعب في الرأي العام.
ويقول جِيك ويليامز، خبير سابق في وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) ونائب رئيس الأبحاث والتطوير في شركة "هانتر استراتيجي"، لوكالة "أسوشييتد برس": "الآن من المرجح أن تُخصص موارد إيران المحدودة لجمع المعلومات من أجل فهم الخطوات التالية لإسرائيل أو أميركا، بدلًا من مهاجمة البُنى التحتية التجارية للولايات المتحدة أو إخافة المواطنين".